قمت منذ فترة بسيطة برحلة سياحية لدولة أوزباكستان العريقة والتي كتبت لكم عدة مقالات عن رحلتي فيها أرجو أن تنال إعجابكم، حيث قمت بزيارة أكثر من مدينة مثل طشقند وبخارى وسمرقند، وقد استمتعت حقا بزيارة معالم كل مدينة منهم.
سأحكي لكم اليوم عن واحدة من أهم معالم مدينة سمرقند والتي سعدت جدا بزيارتها، وهي ضريح الإمام البخاري رضي الله عنه. ولكن لا يعرف من هو هذا الرجل العظيم فاسمحوا لي بتعريفه لكم.
الإمام البخارى
اسمه الأصلي أبو عبد الله محمد بن اسماعيل البخارى ، ولد في 13 شوال عام 194هجرية ، في مدينة بخارى، لذلك لقب بالبخاري، وقد ولد الإمام في بيت علم كما يقولون، حيث كان والده من علماء الحديث، ولكنه توفى مبكرا تاركا ابنه يتيما، ولكن حرصت والدته على تعليمه جيدا فحفظ القرآن الكريم ودرس أمهات الكتب الكثير من الأحاديث، وهو مازال صغيرا، لكن ما كان يجذبه بشكل خاص، هو علم الحديث والإسناد ودراسة الأحاديث الصحيحة وتفرقتها عن الضعيفة وكل ما يتعلق بعلم الحديث فبرع فيه، وعندما كان عمره ستة عشر عاما، ذهب مع أمه وأخيه إلى رحلة الحج، ولكنه رفض العودة معهم وأصر على البقاء في مكة لدراسة علم الحديث، فانتقل من مكة إلى المدينة المنورة وهناك استقر وبدأ في وضع كتابه " التاريخ الكبير".
وقد زاع صيته بشكل كبير وأحبه الناس لدرجة أنهم إذا لقوه نثروا عليه الذهب والفضة، مما أثار حنق الأمير خالد بن أحمد أمير مدينة سينابور في خرسان فأمر بنفيه فخرج من المدينة وتوجه إلى مدينة خرتنك والتي تقع بالقرب من مدينة سمرقند فنزل فيها عند بعض أقاربه وظل فيها حتى وافته المنية في الأول من شوال عام 256هجرية ودفن في مدينة سمرقند.
ألف الإمام البخاري عدة كتب شهيرة مازالت تطبع حتى اليوم ومنها: الجامع الصحيح ، والأدب المفرد، والتاريخ الكبير، والتاريخ الصغير، وخلق أفعال العباد. ويعتبر أهم وأشهر ما ألفه على الإطلاق كتاب "صحيح البخاري" وهو كتاب يجمع الأحاديث النبوية الصحيحة، ويحتوي ما يقارب من ستمائة ألف حديث صحيح قام البخاري بجمعها على مدى ستة عشر عاما، ويعتبر من أفضل كتب الحديث.
ضريح الإمام البخاري
يعتبر ضريح الإمام البخاري من أهم معالم مدينة سمرقند، والتي يجلها ويبجلها المواطنين ويأتون من كل مكان لأجل زيارتها، وترجع شهرة قبره لقصة دفنه والتي يرويها الأهالي وبعض الكتب التاريخية والتي تحكي أنه بعد وفاة الإمام الكبير قام أهله بتغسيله وتكفينه، وبعد أن دفنوه في قبره فاحت منه رائحة جميلة استمرت أياما، كما حكى البعض أنهم رأو علامات وسواري بيضاء تنير فوق قبره في السماء، فتجمع الناس وأخذو يغرفون من التراب فوق قبره حتى انكشف القبر ولم يستطع حتى الحراس حماية القبر مما اضطرهم لوضع خشب مشبك ليكون سياج خشبي حول قبره لمنع الناس من الوصول إليه.
وقد ظل القبر على هذا الوضع حتى القرن السادس عشر، عندما بني على قبره مسجدا ومزارا صغيرا تحيط به الأشجار، ولكن مع السنين بدأ المسجد والمزار في التداعي، فقامت الحكومة في سمرقند بالتعاون مع ملك المملكة العربية السعودية بإنشاء نصب تذكاري كبير يضم الضريح ومسجد كبير له قبة كبيرة يتسع لآلاف المصلين ليكون مجمعا ضخما لدراسة علم الحديث، وقد تم بنائه على الظراز الأوزبي القديم وتم تزيينه بالفسيفساء والزجاج الملون والنقوش العربية الرائعة.
ويعتبر هذا المكان من أجمل معالم مدينة سمرقند وقد استمتعت جدا بزيارته، وقرأت له الفاتحة.