هل عشت تجربة العودة للماضي من قبل؟ إذا كنت من هواة زيارة الأماكن التاريخية القديمة فبالتأكيد قد شعرت بهذا الإحساس من قبل، عندما ترى أماكن بنيت من زمن بعيد وعاش فيها أناس منذ مئات السنين مازالت بيوتهم وآثاثهم موجودة، وتتخيل كيف كانت حياتهم في هذا المكان.
إذا كنت من مدمني هذا الشعور وتبحث عن مثل هذه الأماكن، فاسمح لنا أن نرشح لك اليوم واحد من الأماكن الرائعة، التي تحكي قصة حضارة كاملة قامت وزالت منذ مئات السنين، وهي حضارة الأندلس والتي دامت لمدة سبعة قرون كاملة في أراضي إسبانيا ثم انهارت وعادت الأندلس بعدها للحظيرة الإسبانية مرة أخرى.
سنحكي اليوم قصة حي البيازين أخر الأحياء الأندلسية الباقية في مدينة غرناطة أخر معاقل المسلمين في الأندلس.
تاريخ حي البيازين
حي البيازين هو حي عربي قديم من أكبر أحياء مدينة غرناطة، والذي مازال محتفظا بطرازه الأندلسي ومازال أيضا على نفس حالته تقريبا منذ سقوط الأندلس قبل خمسمائة عام على الرغم من محاولات التغيير التي قام بها الملوك الاسبان بعد انتصارهم على المسلمين، ويعتبر وجهة لكثير من السياح الذين يرغبون في رؤية كيف كانت الأندلس قديما، وأيضا لكثير من المسلمين الذين يشعروا بالحزن على سقوط الأندلس.
بني حي البيازين منذ ما يقرب من 800 عام على الطراز المغربي، حيث أن معظم المسلمين الذين فتحوا الأندلس كانوا في الأصل من دول المغرب العربي، لذلك تجد الطابع المغربي غالب على الحي، فجد البيوت صغيرة وبيضاء اللون، ومتراصة بشكل متلاصق مكونة شوارع ضيقة ومتقاطعة.
موقع حي البيازين
يقع حي البيازين شمال شرق مدينة غرناطة بالقرب من قصر الحمراء الذي يطل على الحي من أعلى ويفصله عنه نهر حدرة، لذلك تجد الحي محاطا بسور كبير ليحميه من الغزاة الأسبان كما كان القصر قبل سقوط غرناطة.
أصل اسم البيازين
ويرجع تسمية الحي باسم حي البيازين إلى سبب من اثنين كما يشاع، إما نسبة إلى البزاة وهو نوع من الصقور والتي كان أهل غرناطة مولعون بتربيته وتدريبه على صيد الطيور البرية مثل البط والديوك البرية والأرانب. أو نسبة إلى أهل مدينة بياسة والتي تقع شرق الأندلس والتي يقال أن سكانها نزحوا من مدينتهم واستقروا في هذا الحي.
المعالم الرئيسية في حي البيازين
يحتوي حي البيازين على العشرات من المعالم الهامة والتي ستشعرك بروعة التصاميم العربية الأندلسية، حيث مازال هناك الكثير من البيوت الصغيرة وأيضا بعض المنازل الكبيرة مثل:
- دار الأميرة عائشة الحرة: وهي والدة الملك أبو عبد الله أخر ملوك بني الأحمر، والتي اشتهرت بدورها الكبير في تأخير سقوط غرناطة.
- قصر الضيافة النصري: وقد بناه الموحدون عام 615هجرية وكانت الأميرة عائشة الحرة هي أخر من امتلكه قبل سقوط غرناطة.
ويحتوي الحي على ثلاثة أبواب رئيسية هي باب البيازين وباب فحص اللوز وباب الزيادة، كما كان يحتوي على مجموعة من المساجد والتي قام الأسبان بهدمها أو تحويلها لكنائس مثل:
- المسجد الجامع والذي بنيت كنيسة سان سلفادور على أنقاضه ومازال بعض أجزاء منه قائمة حتى اليوم.
- مسجد المرابطين والذي كان من أقدم مساجد غرناطة والذي بنيت على أنقاضه كنيسة سان جوس.
- مسجد التائبين والذي تحول إلى كنيسة سان خوان دي لوس ريس
وقد كان هذا الحي من أكثر الأحياء نشاطا في فترة الحكم الأندلسي، حيث كان يقطنه الكثير من الأثرياء والحرفيين المهرة، ولكن بعد سقوط الأندلس قام الملك فيليب الثاني بطرد المسلمين من الحي وتم إخلاؤه تماما.
وفي عام 1994 قامت مؤسسة اليونسكو بوضع حي البيازين ضمن قائمتها لمواقع التراث العالمي التي يجب حمايتها والحفاظ عليها.