ماتشو بيتشو.. المدينة المبنية على نصل السكين
ماتشو بيتشو هي مدينة مذهلة في بيرو أمريكا الجنوبية وغالبا يُطلق عليها اسم مدينة النور أو مدينة السماء ، حيث بينت بالكامل على ارتفاع 2500 متر، وقد ظل علماء الآثار يبحثون عنها منذ غزو الأسبان لأمريكا الجنوبيية، بها أكثر من 200 مبنى منتشر على القمة ، فشبه الباحثون بناء هذه المدينة على هذه القمة كالبناء على نصل سكين.
مشروع ضخم للحفاظ على شعب الإنكا
عام 1438م ، شن ألد أعداء الإنكا هجوماً قوياً ، استعد مقاتلوا الإنكا في أسرع وقت لصد هذا الهجوم ، ولكن كانت المفاجأة هي ترك الملك ساحة المعركة والهروب بعيداً تاركاً إبنه وباقي الجيش ، رفض الابن الإستسلام وقاتل بكل شجاعة حتى تغلب الإنكا على هذا الهجوم القوي ، ولهذا السبب تم تنصيب الأبن القوي ملكاً بدلاً من أبيه الجبان ، ولقب بـ(أتشاكوتي ) وتعني بالغة الإنكية مبدل الأرض، فبدأ الملك يتصرف بما يلائم اسمه وأغار على الشعوب المجاورة ونجح في ضمها لإمبراطوريته، فوصلت امبراطورته أثناء حياته من كلومبيا في الشمال إلى تشيلي والأرجنتين جنوباً على ساحل أمريكا الجنوبية الغربي، فتعتبر امبراطورية الإنكا أكبر الامبراطوريات في الأمريكتين .
طفل الشمس وثقافة خاصة وأنصاف آلهة
وللحفاظ على هذه الإمبراطورية أمر بإقامة سلسلة من مشاريع البناء الضخمة ، وعلى المهندسين والبنائين تنفيذ إرادة الملك كما يريد بالضبط. وبالرغم من عدم وجود أي كتابات أو تسجيلات لاي حدث إلا أنها تسمى بحضارة الإنكا لاحتوائها على ثقافة خاصة وأيدولوجيات وأساليب معيشة وفنون وآداب وأفكار أضافت للبشرية ، ديانتهم تقوم على أساس تعدد الآلة لكن أهمهم هو "إنتي" إله الشمس فمنه تنحدر سلالة السابا إنكا ، فهكذا كان يلقب الملك (سابا إنكا ) أو طفل الشمس ، فكان الملوك يعتبروا أنصاف آلهة ويجب السمع لهم والطاعة ، ولإستمرار نقاء الدم الملكي يجب أن يتزوج من شقيقته ، وهم أول من وصل لمبدأ العدالة الاجتماعية ، فكانت الأراضي توزع حسب حجم العائلة ، وعلى كل فرد من القبيلة أن يتزوج بما يكافئه اجتماعياً ولا يسمح لأحد بألا يتزوج ، ولأصحاب العاهات أيضاً قانون فهم لا يتساوون مع الأصحاء لذلك عليه العمل قدر أستطاعته فقط .
مدينة دينية لإرضاء الآلهة
ولأن الملك يعتبر من نسل الشمس ، فأغلب أنشطته في الإمبراطورية تكون دينية، فقرر بناء مدينة ترضي الآلهة ، حيث كان شعب اللإنكا يعبدون الظواهر الطبيعية وأهم الآلهة هو اله الشمس ، فقاموا بالبحث عن المكان المناسب لذلك ووجدوه على ارتفاع 450م فوق نهر أرومبامبا ، على حافة حادة من سلسلة جبلية نائية في جبال الإنديز البيروفية ، هذا الموقع وعراً جداً ومنطقة الأعمال ضيقة، وعليهم أخذ الكوارث الطبيعية من أمطار وزلازل في الاعتبار ، ولكنهم خاطروا بذلك رغبةً في إرضاء الآلهة .
لغز كبير حيَّر العلماء
اللغز الذي حير العلماء هو كيفيه نقل الصخور وتجهيزها حول سلسلة جبلية من الصخور المتشققة التي تغطيها الغابات ، ولماذا بالضبط هذا المكان ؟ ولكنهم تغلبوا على ذلك وقاموا بعدة حيل لنقل الحجارة وتجهيزها ونحتها بطريقة دقيقة لتكون مناسبة لبعضها ، في البدء قاموا ببناء مصاطب بل مئات المصاطب على منحدرات ماتشو بيتشو ومساحتها تساوي مساحة 12 ملعب كرة قدم ، تتعد فوائد هذه المصاطب ، فهي تسيطر على مياه الأمطار حتى لا تتآكل المدينة بسبب المياه الزائدة ، وللمصاطب فوائد حرارية أيضاً فهي تمتص حرارة الشمس أثناء النهار ، وتنشر الدفء الى الأرض أثناء الليل وذلك لحماية المحاصيل وتعزيز المباني حتى لا تتاثر بالزلازل ، وأطلقوا على المدينة اسم ماتشو بيتشو والتي تعني قمة الجبل القديمة .
معابد للأضاحي البشرية
إذا نظرت إلى ابنية المدينة ستجد الأحجار متناسقة مع بعضها البعض بشكل مبهر ، بالرغم من عدم إستخدام بناءوا الإنكا للإسمنت أو الملاط للربط بين الاحجار إلا إنك لاتستطيع ادخال نصل سكين بين صخرتين . وأفضل مباني ماتشوبيتشو يقع على قمة الدرج ومقابلاً للقصر، مبني ذو شكل فريد من نوعه فجدرانه الضخمة تشكل شبه دائرة، وبداخلها منصة صخرية تعرض ضوء الشمس بشكل غامض في الإنقلاب الشتوي، أو ربما أستخدم كمرصد شمسي ، فصنفه الباحثون معبداً للشمس، ولكن هذا المعبد له جزء غامض فتحته كهف منحوت بطريقة معينة به ضريح صغير، وأعتقد الباحثون في حضارة الإنكا انه استخدم كمعبد للأضاحي البشرية من الأطفال .
ماء مقدس يشفي الأمراض وتعامد للشمس مرتين في العام
لم ينس الإنكيون توفير المياه اللازمة لهم , فالماء مقدسة في اعتقادهم وللحفاظ عليها قاموا ببناء سد لحفظ مياه الامطار في بركة صغير تصب عليهم بقدر معين وتمر من خلال جداول صناعية صغيرة تصل إلى حمام الأمبراطور ومنه لباقي الجداول ، في ماتشو بيتشو 9 نوافير صغيرة للمياه منحونة يدوياً . وأعلى نقطة في المدينة متمثلة في محور بتشاكوتي المقدس ، وهو عبارة عن قطعة صخرية منحوتة بشكل لايصدق ، تقع هذه الصخرة في منتصف المسافة بين قمم الجبال الأربعة المحيطة بماتشوبيتشو ، ويرتبط محور بتشاكوتي المقدس بحدث هام جداً يتشابه مع حدث معبد أبوسمبل في مصر، مرتان في السنة وفي الإعتدالين الشمسيين تسقط أشعة الشمس فوق المنحوتة مباشرة بدون أي ظلال .
مركز روحاني فريد
فقط بنيت مدينة ماتشوبيتشو بين مزجاً فريداً من الظواهر الطبيعية هذا المزج ينتج ظاهرة دينية تعرف باسم المحور الكوني ، مركز روحاني مقدس بين السماء والجبال والأنهار والأمطار ، ففي السماء تظهر مجموعة نجوم تسمى بكوكبة صليب الجنوب التي تصطف في الخريف عند بدء موسم الحصاد ، فهذا الموقع الفريد مصمم لعبادة الآلهة والتواصل معها .
عذراوات الشمس
وجد علماء الآثار حفريات لأكثر من 100 جثة ، وقيل ان 80% من هذه الهياكل من النساء وارتبطت باسطورة عذراوات الشمس الجميلات ، التي كان يتم اختيارهم للدير ويعيشون في خدمة الامبراطور حتى مماتهم ، ولكن العصر المعاصر نفى هذه الاسطورة تماما فليس هناك مايسمى بعذراوات الشمس ، لأن الباحث أخطا في تصنيف نوع الهياكل العظمية فنسبة النساء ليست صحصحة اطلاقاً .
اختفاء غامض لمدة 400 سنة
وبعد بناء المدينة بـ54 عاماً ، أكتشف كلومبوس الأمريكتين ، وفتح الباب للغزاة الأسبان ، المسلحون بالأسلحة المجهولة والمصابون بمرض جديد، حينها كان ( الجدري ) وباءً يتفشى بين الإنكيين فمات الكثيرون وانهارت إمبراطورية الإنكا كما تقول النبوءة ، فعندما ضرب زلزال مدن الإنكا ظهر حول القمر ثلاث دوائر فسرها المنجمون بأنها ثلاث مصائب تصيب الامبراطورية حرب فوباء فدمار، فبسبب الحروب والوباء وعدم تزويد المدينة بالمؤن هاجر شعب ماتشو بيتشو . واختفت المدينة لمدة 400 عام حتى تم العثور عليها صدفةً من قبل عالم الآثار هيرام بنغهام حين تغلغل في الغابات ورأى جدراناً صخرية ضخمة.
فحقًا عند زيارتك لماتشو بيتشو ستنبهر بجمال الطبيعة ، ويمكنك التقاط صوراً تذكارية في منتهى الروعة والجمال ، ورؤية حيوان اللاما الذي أعتمد عليه شعب الإنكا في حياتهم اليومية وإبداع شعب الإنكا التي صفت ضمن أعظم الإنجازات الهندسية في العالم .