بقلم: أدهم همشري
كم بمصر من أماكن ومعالم مبهرة ليس لها مثيل، ويكون لاكتشافها شعور خاص باكتشاف كم كان هذا الجمال قريب لهذا الحد ولم نراه من قبل، وهكذا كان شعوري عندما بدأت رحلتي من موقف "التُرجمان" في وسط البلد مُتسائلاً عن الأتوبيس الذاهب إلى واحة سيوة أو واحة مصر المفقودة – كما يُسميها الجميع – فجائني الرد السريع من مُشرف المحطة الكبير – جداً – في السن "30 يا باشا .. موقف رقم 30 يا باشا" مشيراً بيده لنهاية صالة الانتظار وعندما وصلت للأتوبيس علمت أن الرحلة بدأت ها هنا.
بداية غريبة أتوبيس VIP متهالك وتفتيش كتييييير
لم تكن البداية حالمة ومبشرة بل كانت صادمة قليلا، فهناك كان في انتظارنا أتوبيس غرب الدلتا ومكتوب عليه من الخارج VIP بالخط العريض ولكن مع صعودي للأتوبيس أكتشفت إنها مجرد كلمة لا تعني أي شيء ولا أحد يفهم سبب وجودها أصلا على مثل هذا الأتوبيس القديم ذو الكراسي المتهالكة.
كان علينا البحث عن أماكن خالية, لإنه كالعادة هناك من جلس بمقاعدنا المُسجلة على تذاكرنا ولكن مع الوقت اكتشفنا أن هذه لن تكون مشكلتنا الوحيدة طوال رحلة الأتوبيس, فبعد ساعة ونصف من المحاولات المُستمرة في أن نخلد للنوم في هذه الكراسي الغير مريحة, أفزعنا السائق مُنادياً في أذن كل راكب "الrest يا جمااااعة .. اللي عايز يدخل الحماااااام" .. ليكرر تلك الحركة السخيفة عدة مرات..
كذلك لم تسلم الرحلة من التوقف عدة مرات في 4 كمائن مختلفة ليطالب عساكر الجيش ببطاقات الركاب الشخصية وظل هذا يحدث على مدار ال12 ساعة حتى وصلنا واحة سيوة..
صحيح أن البداية قد تكون مزعجة قليلا ولكن بعد أن ترى سيوه ستعرف أن تلك القطعة من الجنة ستنسيك أى تعب ستواجهه في البداية.. وأن الرحلة تستحق أتوبيس متهالك وسائق مزعج.
كمصري أصيل الأكل عنده مهم.. مطعم عم عبده هو الاكتشاف الأهم
كمصريين كلنا نعرف أن جمال أي رحلة أو "فسحة" لا يكتمل إلا عندما يشتمل على الأكلة التمام، لتندمج متعة العين والشعور مع متعة الفم والمعدة ونصل لحالة من السعادة المطلقة، وهكذا عندما وصلنا الواحة ظهرا كنا نكاد نموت جوعاً بعد تلك الرحلة الطويلة.. لذلك فبمجرد وضعنا لحقائبنا في فندق "جنة سيوة", كان علينا أن نبحث عن الطعام ..
ولا تتعجب لو عرفت أنه سؤالنا الهام عن أفضل مطعم في المنطقة كان له إجابة موحدة من الجميع، "مطعم عم عبده" كلما سألنا شخص وجدنا نفس الإجابة حتى اشتقنا لرؤية مطعم عم عبده وأكل عم عبده.
كسكسي باللحمة الضاني هتحبه حتى لو بتكره الكسكسي.. وتحدي
ذلك المطعم الصغير الذي يقع في وسط الواحة حيث دخلنا متوجسين في البداية لنجد ترحيب متميز ببراد شاى هدية من صاحب المطعم إلى جانب بعض من الزيتون الأخضر إنتاج الواحة..
وبما أن الطعام يؤكل ولا يوصف فسأحاول فقط وصفه ولكن لا أعدكم بنقل الإحساس كاملا، حيث يتداخل الطعام الجيد والمكان والجو العام ليخلقوا شعور مميز يجب أن تعيشه، بعد الشاي أتت شُربة لسان عصفور مع خبز طازج فائق الروعة..
وأخيراً جاء إلى مائدتنا نجم اليوم, طاجن كسكسي باللحم الضاني والخُضار ويكفي أن أخبركم إنه من أفضل الأكلات التي ستقومون بتذوقها ربما في حياتكم بأكملها, وحتى وإن كنتم لا تحبون الكسكسي مثلي فذلك الطاجن مختلف تماما وسيجعلكم تحبونه.
الواقع إنني بعد الزيارة الأولى ذهبت إلى مطعم "عبده" عدة مرات أخرى طوال الرحلة وقد جربت فيها الملوخية السيوي والفطائر الحلوة –في الحقيقة لم تكن في غاية التميز – ولكن يجب عليك أن تجرب بان كيك البلح والذي سيبهرك طعمة بالذات إن كنت ممن لا يشغلون بالهم بالدايت.
هناك مطعم أخر شهير في الواحة يمكنك تجربته من أجل تغيير الجو والتنويع وهو "البابنشال" ويتميز بطاجن الفراخ بالزيتون, لكن مشكلته الوحيدة هو ضرورة قيامك بإبلاغ المطعم لتحضير الطعام على الأقل بساعة قبل وصولك إليه مما يضطرك للانتظار خاصة عندما تكون "عصافير بطنك" ترفض الانتظار.. ولذلك السبب فالناس تعتبر مطعم "عبده" هو الوحيد المُتاح دائماً.
"شالي غادي" المدينة التاريخية التي هدمها المواطنون وتركوا مسجدها
على بعد أقل من دقيقة سيرا على الأقدام من وسط الواحة بالقرب من المطاعم ستجد مدخل "شالي غادي" والتي تعني بلغة الأمازيغ "المدينة القديمة"، تقع "شالي غادي" في قلب واحة سيوة وتُعتبر من أهم معالمها التاريخية..
فتلك المدينة التي بنيت في القرن ال13 والتي يقع موقعها على ارتفاع كبير وقد بنيت من الطوب اللبن وجريد النخل لتكون حصن لأهل سيوة يحميهم من هجمات القبائل الأخرى في الماضي.
الغريب الذي ستواجهه إنه كلما مشيت وصعدت سلالم "شالي" ستلاحظ انهيار معظم المنازل والمباني المحيطة عدا المسجد بمئذنته فقط هو المبنى الوحيد الذي ستجده في أحسن حال لدرجة أنه مازال حتى اليوم تقام به الصلوات ويؤمه الناس من الواحة. والسبب هو إستخدام أهل سيوة لأحجار المدينة القديمة وأسقفها –ما عدا المسجد– في بناء بيوتهم في المدينة الحالية، فقد قاموا بهدم الكثير من جدران منازل "الشالي" للحصول على حجارتها مما جعلها عُرضة للانهيار..
عامة كل شيء يشغل بالك سيتلاشى عندما تصل لقمة الـ"شالي" ستنسى كل شيء أمام كل هذا الجمال، فلقد وقفت مُنبهراً بتلك البانوراما المفتوحة لواحة سيوة بأكملها .. من مباني المدينة الحالية, للنخل الأخضر المُسيطر على أغلب المكان, لبحيرة جميلة تعكس على سطحها الهادئ صورة لبعض الجبال أشهرهم أسمه "جبل الموتى". لوحة جميلة أبدعها الخالق ستقف أمامها تتأمل وتحاول التغلب على انبهارك بها.
رحلتنا لجبل الموتى.. "يا صباح الرعب"
عندما تهبط من "شالي" تجد أنك قد عدت لوسط الواحة مرة أخرى، وهكذا فلقد ركبنا "تريسيكل" والذي مر بنا في وسط محلات المشغولات اليدوية التي تُزين مخرج المدينة القديمة، لنتحرك لمدة 10 دقائق لنجد أنفسنا أسفل جبل تملأه الكثير من الفتحات التي تُشبه الكهوف، المنظر ذاته مبدع ومهيب ولكن على بُعد خطوات لمحنا يافطة خضراء وعندما اقتربنا لنرى المكتوب فوقها وجدنا جملة "جبل الموتى" التي زادت من هيبة الموقف، فهذا الاسم المرعب قد أثار في عقولنا الكثير من الخيال عن ماهية هذا الجبل الذي يحمل هذا الاسم.
حد سمع عن الفراعنة في سيوه؟؟! أه في فراعنة هناك
تذوق الاسم "جبل الموتى" إنه حقا أسم مُرعب لمكان، لكننا اكتشفنا أيضًا الغرابة مع الرعب فتلك الفتحات في الجبل ليست كهوف كما ظننا ولكنها وللعجب كانت مقابر فرعونية اكتشفت بالصدفة أثناء الحرب العالمية الثانية..
وعندما اندهشنا من وجود فراعنة في سيوه أكد لنا عُمر –هو رجل بدوي يعمل مع وزارة الاثار في منطقة جبل الموتى– أن الأمر حقيقي بل إنه في إمكاننا أن نهبط لزيارة بعض هذه المقابر.
"سي أمون" و"ميسو إيزيس" دي أسماء فراعنة؟!!
هبطنا لزيارة مقبرة "سي امون" ومقبرة "ميسو إيزيس".. ولا تستغرب الأسماء فهي حقيقية، كان سقف وحوائط مقبرة "سى امون" تتمتع بنقوش وألوان رائعة تحكي أساطير ألهة تلك الفترة القديمة، بينما ستلاحظ تشويه مُعظم نقوش مقبرة "ميسو إيزيس" على يد الرومان, مما جعل مقبرة "سي امون" الأفضل بالنسبة لي.
"فنطاس" ماء ساخن من قلب الأرض.. وغروب لم يكتمل
كل شيء موجود في سيوه هكذا فكرت وقتها لذا إن كنت مللت من التاريخ وكنت مِِن مَن يحبون الهدوء وسط سحر الطبيعة, فعليك أن تذهب لمشاهدة الغروب ببحيرة "فطناس"، تلك البحيرة المالحة المُحاطة بالنخيل الأخضر والمناظر الطبيعية الصحراوية، أما "عين فطناس" ذات المياه الساخنة القادمة من قلب الأرض ستفاجئك بمنظر مريح ومهدأ للأعصاب أيضًا لأقصى حد، لذا فإن كل ما كنت أحتاجه وقتها هو كرسي خشبي من المتوافرين حولي, لأجلس أمام ذلك المنظر البديع مُتناسيا كل شيء عن العمل والمُذاكرة والتعب والإرهاق..
كانت تلك الدقائق القليلة أمام روعة المنظر بمثابة عملية "restart" لرأسي والتي أظن أن الجميع بحاجة إليها، ولكن للأسف ما كان ينقصني وقتها هو مشاهدة الغروب الذي لم يكن واضحاً بسبب الغيوم المُنتشرة في أرجاء السماء.
شاي بالحشيشة وليل ساحر
مع بداية الليل كنت قد انتهيت من كوب الشاى بحشيشة الليمون – أو المشهور باسم اللويزا– لنتوجه لتناول العشاء في الفندق، وأصعد أخيراً للغرفة الصغيرة لأتذكر أحداث اليوم المبدع وأفكر فيما ينتظرني غداً في الواحة المفقودة.
لقراءة باقي الرحلة اضغط هنا
تعرف على أماكن مبدعة أخرى في مصر
اخطف رجلك لسيناء.. محمية نبق نصفها بالماء والأخر في اليابسة.. وبها 86 نوع انقرضوا من كل العالم
الكهف الأهم في العالم محمية وادي سنور.. تقع ببني سويف
رحلتي للجنة المفقودة.. حرب من أجل كوب شاي واكتشاف "أخونا" الهنود والخواجة "سيمينز" عدو التكنولوجيا
صدق أو ماتصدقش المعادي فيها محمية طبيعية.. صخور وغزلان وتعالب وانسى الأسود والأفيال
فقط في المعادي.. شجرة ثمارها أيس كريم
تعرف على أماكن مبدعة أخرى في العالم
الجزيرة الجميلة فرموزا بؤرة الشيطان.. مثلث التنين.. شقيقة مثلث برمودا
روعة لن تستطيع نسيانها.. جبال الصين الملونة